وا أسفاه إن كنت أظن أنني على الطريق إليك.. بينما الطريق ينأى بي عنك!{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} (99) سورة الصافات
مسكين مسكين إن خرجت من الدنيا ولم أذق أطيب ما فيها: مناجاتك واستشعار قربك، والتحقق بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا!
{كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (15) سورة المطففين، المحجوبون عنه في الآخرة هم المحجوبون في الدنيا.. لأنهم مطففون لا يحكمون الموازين!
حين أدعوك بالهداية فأعظم هداية هي معرفتك، والإيمان بك، واقتباس جذوة من نورك تضيء قلبي..
كيف لي أن أحافظ على تلك اللحظات القليلة؛ التي أشرق لها قلبي، وانكشف بعض الحجاب عن بصيرتي؟
كيف أتخلص من أوضار المعصية التي تشعرني بالجفوة والغفوة.. وتهدم ما بنيت؟
حين أذكرك يرق قلبي لكن لا طاقة لي بديمومة اليقظة حال الذكر إلا بمددٍ من عندك.
حين أتلو كتابك ويسرح خيالي بقصص المقربين لديك، وأخبار وعدك ووعيدك؛ تصغر الدنيا في عيني، وكأن ذلك كله رأي عين ثم تعاودني غفلتي..
تصبح ساعات اليقظة ذواقةً ماضية وذكرى جميلة، فأخاف أن تكون إقامة للحجة عليَّ وليست تقريباً أو اصطفاء!
من تذوَّق معنى قربك والشعور بك كيف له أن ينسى ويلهو ويعبث؟
أنا اليؤوس حال الشر، المعرض النائي حال الإنعام.. أنا ذو الدعاء العريض حين الابتلاء.. السادر المغتر حال العافية.
لا طاقة لي بدوام البلاء، ولا دوام لحياة قلبي حال الرخاء!
هل من سبيل إلى أن تصطبغ نفسي وروحي وعقلي وقلبي وجوارحي بمعنى رباني لا رياء فيه ولا سمعة لا يفارقني حتى حال الفترة؟
كيف التأسِّي بأولئك النفر الذين اصطفيتهم وجعلتهم من المحسنين، وسلكتهم في المقربين، وكنت تفتح لدعواتهم أبواب سماواتك، وتحوطهم برعايتك وعنايتك، وتصرف عنهم السوء والفحشاء؟
عبوديتي لك تقتضي التخلص من زوائد الـ(أنا) وتضخُّم الذات.
يتفلَّت في داخلي شخص مريض يقول: هذا أهانك! وهذا تجاهلك ولم يعرف قدرك! وهذا لم يقدمك.. وهذا وهذا، وكأن الناس خلقوا واختبروا بك!
وكلما صغرتُ في عين نفسي أحسست أني إليك أقرب.. فأن أظل محتفظاً بمعنى سجودي، وأن أتخلى عن خطرات الغرور والكبرياء.. فهذا يفسح الطريق للصفاء، ولكن كيف لي بذلك وأنا الغارق في طلب المزيد من الشهرة والمادة، المشغول بالتزين لعبادك، المنهمك في مقارنات لا تنتهي بيني وبين فلان وفلان؟
في لحظة صحو قلبي تطرأ عليَّ مقارنات أخرى ويحضر الطيبون فأتساءل: هل سبقتهم أم سبقوني! ماذا يصنعون الآن؟ هل يجدون ما أجد؟ هل إشراق الروح موهبة أم فضلٌ محض؟
حين أفيق أقول: يجب أن أختار الله وطريقه بطواعية وحب ووعي قبل أن يختارني للموت قسراً بغير إرادتي..
أريد أن أكون كالغائب الحبيب يقدم على أهله، وليس كالعبد الهارب يساق بعنفٍ إلى أسياده..
وحيناً أقول: مازال في العمر متسع!
وحيناً أقول: الحب أسرار والبوح به يفسده! والسالكون يستخدمون الاستعارات والتلميحات؛ ليجتنبوا الرياء والادّعاء كما قال أحدهم:
سَترتُ اسمكم غِيرةً ها أنا أموّه بالشعبِ والمنْحَنى!
وخير ما ذكر الله به تلاوة آيات كتابه، وأذكار نبيه المصطفى وخليله المجتبى؛ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وجوامع أدعيته الشريفة..
د سلمان العودة