حول الكثير من المواطنين يوم الفاتح من أفريل والذين يطلقون عليه "سمكة أفريل" ليوم للكذب، فيتفننون ويبرعون في اختلاق مختلف الأكاذيب وفبركة سيناريوهات مؤسفة ومؤلمة لجرائم وحوادث مميتة من نسج الخيال، غير أن حبكة المقلب يدفع الضحية لنسيان الفاتح من أفريل، ليكون ضحية حقيقية لكذبة.
بعضهم فقد القدرة على الحركة بسبب ارتفاع ضغط الدم، وآخرون قطعوا مسافات كبيرة ودموعهم تسبقهم، ليكتشفوا في نهاية الأمر أنهم كانوا ضحايا مزحة وكذبة الفاتح من أفريل .
وإن كانت الأكاذيب في السابق تتم من خلال الاتصالات الهاتفية، فحاليا أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي البديل الآخر لنشر كذباتهم، ليصبح الأول من أفريل عنوان مأساة بالنسبة إليهم يذكرهم بحوادث مريعة كانت بدايتها مزحة.
ومن بين القصص المؤلمة؛ قصة سيدة في الأربعينات من العمر، تلقت اتصالا هاتفيا من إحدى بناتها تخبرها فيه أن شقيقها الأكبر قد تعرض لحادث سيارة وهو يرقد في مستشفى مصطفى باشا، فخرجت الأم مفزوعة لتطلب من أحد الجيران نقلها للمستشفى ودموعها تسبقها، حتى أنها كادت تفقد وعيها، لتعيد ابنتها في تلك اللحظات الاتصال بها وتخبرها أنها مجرد مزحة أي سمكة أفريل، لكن والدتها انتابها الهلع وارتفع ضغطها لتنقل على جناح السرعة إلى مستشفى القبة أين خضعت لحقن لإنزال ضغطها الدموي.
وليست هذه الحادثة الوحيدة، فقد وقع رجل يعمل في الجنوب ضحية مقلب أحد أشقاءه، حيث اتصل به هذا الأخير مدعيا أن والده قد ارتفع معدل سكره ونقل للمستشفى في حالة غيبوبة، والأطباء أكدوا أن وضعيته خطيرة وقد لا يستفيق، فما كان عليه سوى ركوب سيارته ليلا قادما من عين صالح نحو العاصمة، غير أنه في الطريق الوطني وبسبب السرعة المفرطة وقع له حادث سيارة، والغريب أنه عندما اتصل بشقيقه ليعلمه بما وقع له بدأ هذا الأخير يضحك معتقدا أنه يريد الإيقاع به في مقلب آخر، ليعرف بعد ذلك أنها حقيقة وشقيقه في المستشفى.
ولعل أهم ما ميز هذه المقالب في السنوات الأخيرة، انتقال سمكة أفريل للعالم الافتراضي "الفايسبوك"، حيث أصبح الكثيرون لا يتورعون عن نشر أخبار كاذبة عن صفحاتهم حول وفاتهم أو زواجهم وتعرضهم لحوادث مرور، وهو ما يدفع بأصدقائهم المقربين ومعارفهم للتفاعل معهم حتى أن الكثير منهم يتنقلون لمساكنهم العائلية ليعرفوا في نهاية المطاف أنهم راحوا ضحايا كذبات لا أساس لها من الصحة، وهو ما أقدم عليه شاب يدرس في الثانوي في أفريل 2012، عندما قام بحلق شعره ونشر صورة له على "الفايسبوك" يدعي فيها إصابته بمرض سرطان الدم "اللوكيميا"، وهو الخبر الذي صدم الكثير من أصدقائه وأقاربه الذين راحوا يتصلون به ويدعون له بالشفاء، إلا أنه وبعد أن اطلع على جميع تمنياتهم وتفاعلاتهم صارحهم بأنها مزحة أفريل، لتنقلب الدعوات لوابل من السب والشتم.
أئمة وجمعيات دينية يعلنون الحرب ضد هذه البدعة.. ويقترحون:
توحيد خطبة الجمعة القادمة لاستنكار وتقبيح "كذبة أفريل"
دعا أئمة وجمعيات دينية لمقاطعة بدعة "كذبة أفريل" لأنها يوم -حسبهم - لاستحلال الكذب، وهي محرمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ويل لمن يحدث الكذبة ليضحك الناس، ويل له، ويل له".
وأعلنت جمعية الصحوة الحرة الإسلامية السلفية حربا الكترونية ضد كل المواقع التي تروج لـ"نكتة أفريل" عبر شبكات التواصل الالكتروني، وطالب رئيسها إلى جانب عدد من الأئمة لتوحيد خطبة المساجد في أول جمعة من أفريل لمجابهة هذه البدعة وتجريم كل من يتسبب في مرض أو وفاة شخص لتأثره بكذبة مازحة.
وناشد الشيخ علي عية إمام المسجد الكبير، وزارة الشؤون الدينية توحيد خطبة الجمعة القادمة عبر مساجد الوطن للحديث عن مخاطر الكذب الذي أصبح يطفو على سطح المجتمع، والتحذير من مخاطره والتطرق لبدعة "كذبة أفريل". وقال الشيخ علي عية "رغم أن الصدق ليس له يوم معين في حياة المسلمين، إلا أننا نرحب بـ"يوم بدون كذب مصادف لأول أفريل من كل سنة في الجزائر".
واعتبر التعامل مع "كذبة أفريل" مخالف للدين، لأن تقليد الغرب لا يجوز حتى من باب المزاح وهو محرم أجازه الشرع في ثلاثة مواقف فقط وهي الكذب للإصلاح بين الزوجة والزوج أو بين الأقارب والأصدقاء، والكذب في الحرب، وكذب الزوج عن زوجته للحفاظ عليها. وذكر الشيخ عية موقف لطيف للإمام البخاري، عندما سافر لأحد الحافظين لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ليجمع منه هذه الأحاديث وعندما زاره في بيته رآه يكذب على حصانه ويوهمه أن في جيبه شعير، فعدل الإمام البخاري على أن يأخذ منه أحاديث النبي لأنه اعتبره غير صادق لمجرد كذبه على حيوان!.
من جهته، دعا الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأمة وموظفي الشؤون الدينية والأوقاف، جلول حجيمي، لتوحيد الجهود بين الجمعيات الدينية والائمة لمحاربة مظاهر الكذب وجعل يوم أول أفريل حملة وطنية لنشر الواعظ والعبر والتحذير من مخاطر "مزحة أفريل"، التي قد تؤدي حسبه حتى لإزهاق الأرواح. وقال حجيمي إن نشر الفتن وتخويف الناس وإزعاجهم أو بث الذعر في نفوسهم جريمة محرمة، وعلى وزارة الشؤون الدينية، حسبه، توحيد خطبة الجمعة للحديث عن هذا الخطر القادم من الغرب عبر المواقع الإلكترونية بنمط جديد لتفعيل طقوس الصهاينة في البلدان الإسلامية.
وقال جمال غول، رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة، إن الكذب محرم في الدين مهما كان لونه سواء أحمر أو أبيض، فإن المزاح بالكذب قد يؤدي لحوادث خطيرة، خاصة وإن الكثير من الجزائريين يعانون من داء السكري والضغط، كما قد يكشف على حقائق تنعكس سلبا على العلاقات الاجتماعية، مشيرا إلى ضرورة إعلان حرب ضد "كذبة أفريل" بداء بخطبة أول جمعة من أفريل وتوحيد خطابها عبر جميع المساجد حول "الكذب".
من جهته، أعلن الشيخ عبد الفتاح زراوي حمداش، رئيس جمعية الصحوة الحرة الإسلامية السلفية، عن حرب الكترونية لمجابهة مخاطر التقليد الغربي المتعلق بكذبة أفريل من خلال توضيحات دقيقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتوزيع مطويات ومنشورات تحتوي على حقائق تاريخية خطيرة، على أبواب المساجد وفي الأحياء الشعبية للتحسيس والتوعية. وقال إن أول أفريل يوم استحلال الكذب من طرف الغرب وتأصيله في المسلمين كانتقام من اليهود الذين عرفوا بخصال الكذب قديما.
وطالب المجامع العلمية والفقهية والمرشدين ووسائل الإعلام بتنظيم حملة وطنية لاستنكار وتقبيح بدعة أول أفريل.
شخصيات معروفة تكشف لـ "الشروق":
كنا ضحايا سمكة أفريل ولا بد من الاحتياط
يعتقد جل المواطنين أن الشخصيات المعروفة والتي تطل عليهم في كل مرة هي بعيدة كل البعد عن كذبات الأول من أفريل، غير أن ما اكتشفته "الشروق" مختلف تماما، فمعظمهم راحوا ضحايا العديد من المقالب، وهو ما جعلهم يزيدون من احتياطاتهم وشروط الحيطة والحذر يوم 31 مارس والأول من أفريل حتى يمر هذا اليوم بردا وسلاما عليهم... "الشروق" تحدثت إلى بعض هذه الشخصيات للتعرف عن أشهر المقالب التي تعرضوا لها ورأيهم في "سمكة أفريل".
دفع مقلب خطير تعرض له لوط بوناطيرو، في سن المراهقة للحرص الشديد مطلع كل شهر أفريل فأصبح لا يصدق كل ما يقال له يومها، يحكي لنا بوناطيرو: كنت في سن المراهقة أي حوالي 17 سنة، عندما أعلمني أصدقائي أنني فزت في مسابقة رياضية وعلمية جرت في إحدى البلديات التي تبعد عن مقر سكناي فصدقت الأمر، وانطلقت راكضا نحو مقر المسابقة وكلي أمل في الحصول على الجائزة، وعندما اقتربت من المنظمين وأخبرتهم أنني الفائز أكدوا لي أن اسمي غير موجود، وهناك أطل علي أصدقائي وصارحوني بأنه مقلب فغضبت منهم ولم أتقبل الأمر، وأضاف بوناطيرو أنه منذ ذلك التاريخ لم يتعرض لمقالب أخرى فقد أصبح حريصا جدا.
بولنوار: إضراب أسواق الجملة ورحلة الأردن كانتا كذبة أفريل
اعترف الناطق الرسمي باسم اتحاد التجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، بتعرضه لعدة مقالب مطلع كل شهر أفريل، بعضها كانت بمثابة ردود لمزحات قام بها في حقهم. يقول بولنوار؛ في العام الماضي في حدود الساعة الخامسة صباحا، تلقيت اتصالا هاتفيا من شخص أطلعني فيه عن إضراب تجار سوق الجملة وطلب مني الحضور للاجتماع مع ممثليهم على الساعة السابعة صباحا، فما كان علي سوى أن أتوجه إلى سوق الكاليتوس. وعندما وصلت واستفسرت عن الاجتماع ضحكوا علي وكشفوا لي أنه مجرد مقلب "كذبة أفريل". يواصل بولنوار غضبت قليلا ثم عدت إلى منزلي في العاشور. وأردف محدثنا أن هذا ليس المقلب الوحيد، فمرة ذكروا لي أن هناك اجتماع لممثلي التجار في الأردن وعندما توجهت للمطار بحقائبي عرفت أنها كانت مزحة أفريل، وأكمل المتحدث أنه معتاد على الإيقاع بأصدقائه في مقالب متشابهة لذا يتفنون في الإطاحة بي.
نعيمة صالحي: في الماضي كانوا يعلقون لنا أسماكا على ظهورنا
أكدت رئيسة حزب العدل والبيان، نعيمة صالحي، أنها كانت في سنوات المراهقة ضحية بعض المقالب، حيث كانت زميلاتها في المتوسط والثانوي يلصقن سمكة على ظهرها وهي العادة التي كانت منتشرة كثيرة في الماضي وكانت تتقبلها وتقوم بنزعها. وواصلت صالحي أنها في بعض الأحيان كانت تقع ضحية بعض الكذبات البسيطة وسرعان ما تعرف بأنها كانت مزحة، غير أن الأمر اختلف كثيرا حاليا بعد أن أصبحت كذبات خطيرة ومميتة مطالبة بضرورة التخلي عن هذه العادة بعد أن فقدت طابع المزح واللعب.
العيدوني وخياطي: نحن لا نحب كذبة أفريل ولا نصدقها
أوضح رئيس النقابة الوطنية للقضاة، جمال العيدوني، أنه لم يسبق له وأن كان ضحية كذب أفريل ولا يحب أن يكون ضحية هذا المقلب وهو يرفض هذا النوع من المزاح ولا يسمح لأبنائه بممارسته، فحتى خلال فترة مراهقته كان منشغلا بالدراسة والرياضة ولم يفكر بها أو يأخذها على محمل الجد. وشدد رئيس النقابة الوطنية للقضاة أنه لا يحب الكذب لأنه حرام حتى وإن كان على سبيل المزاح. أما رئيس الهيئة الوطنية لترقية وتطوير البحث "فورام"، البروفيسور مصطفى خياطي، فصرح لنا أنه لم سبق وأن وقع ضحية كذبة أفريل ولا يريد أن يكون في عداد الضحايا لذا يسعى بحلول شهر أفريل لأخذ كافة احتياطاته.
جمعية الوعي والتنمية تنظم حملة "لا تكذبوا"
أكد الأستاذ، كريم عبيد، رئيس جمعية الوعي والتنمية الاجتماعية للشروق، أن جمعيته وضعت برنامجا لتوعية الشباب مع مطلع شهر أفريل من كل سنة، للتحذير من مخاطر دعابة كذبة أفريل تحت شعار "لا تكذبوا ولو كان مزاحا أو دعابة، فالصدق نجاة". وقال عبيد إن المدرسة عليها اليوم أن تشرح للتلاميذ بدقة كل ظاهرة أو طقوس أو تقليد للغرب، يتعلق باحتفال أو عيد حتى يعي الحقيقة التاريخية للكثير من الأشياء التي يقلدها عن الغرب، لأنه كما قال ابن خلدون "المغلوب مولع باتباع الغالب". هذا
وأوضح رئيس جمعية الوعي والتنمية، أن جمعيته ستتحدث في لقاءاتها مع الشباب عن أروع ما جاء في كتاب (الرابحون لا يغشون أبدا) لرجل أعمال أمريكي (جون هانتسمان) بنى مجده وجمع ثروته بالصدق والشجاعة والقيم التي نتلوها في كتبنا ومن صميم ديننا ولم يكذب، فصار يبرم صفقات بالملايير بمجرد كلمة.